عبدالرؤوف العبدالطيف
عبدالرؤوف بن محمد بن احمد العبداللطيف ـ اديب وشاعر ونحوي ولد في مدينة الاحساء عام 1389هـ في محلة الكوت, درس المراحل الثلاث الاول في مدارس التعليم العام بالاحساء, ثم التحق بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالاحساء قسم اللغة العربية.
وتخرج فيها عام 1411هـ عمل معلما بمدارس التعليم العام ثلاث سنوات ثم معلما بمدارس الحرس الوطني بالاحساء وهو يعمل الآن مشرفا تربويا لمادة اللغة العربية بمدارس الحرس الوطني بالاحساء, متزوج وله ثلاثة اطفال ولدان وبنت. كتب الشعر الفصيح وشارك في كثير من الندوات والامسيات الشعرية والمحاضرات الادبية, وكذلك هو عضو في النادي الادبي بالمنطقة الشرقية.
له العديد من المواقف الثقافية المختلفة عن الآخرين والجريئة في آن.. (اليوم) التقت به وكان هذا الحوار:
مطاردة الطفولة
@ الطفولة التي هي من اهم مراحل الانسان، كيف كانت طفولتك؟ وانت الذي تقول:
ورأيت احلام الطفولة زهرة
ذبلت بقــــــــتفر ملؤه صبار
@ هل هي طفولة تشاؤمية واقعية؟ ام هروب من الواقع؟
ـ تظل الطفولة ركيزة هامة في حياة كل انسان، ولها تأثير يطارد المرء بقية حياته، سواء كان هذا التاثير ايجابيا او سلبيا، ولكن في كلتا الحالين تمتلئ هذه الايام بالاحلام الصغيرة او الكبيرة، التي لا تصطدم بجدار الواقع الصلب، فكل شيء في حياة الطفل ممكن التحقيق وليس مستحيلا، فيبقى الطفل يأمل في حصول كل ما يخطر بخياله، وليس عليه سوى الانتظار حتى يكبر، والخيال فرع عن الحقيقة وجزء منها، ولذلك نجد جميع الناس يتذكرون من طفولتهم فراغ البال وقلة الهم والانصراف للهو والمرح والخيال الجامح نحو الحياة والتطلع للمستقبل بغض النظر عن الواقع، وهكذا كانت طفولتي، مليئة بالخيال والتطلع.
اليتم والشعر
@ قصيدتك (طعم المرار) تنزف الما، هي لوحة من الوان اليتم، هي صورة صادقة لتلك المعاناة:
ابتاه لو تدري عن الايتام كم
لعبت بهم من بعدك الاقدار
هل هذا اليتم بالنسبة لك خلاص من الحياة وتوقف عن النبض والحركة والمواجهة؟ ام هو رحلة الى عالم المجهول؟ ما موقع اليتم في تجربتك الشعرية؟
ـ اليتم في نظري يعني الوحدة، يعني انبتار الغصن عن الساق، يجذر نفسه بنفسه في ارض الحياة، ان اراد البقاء، اليتم ان تقف في وجه الاعصار دون ان تجد ما تتشبث به، والا تجد عكازا حين يعجز ظهرك عن الانتصاب:
انا نشأنا والحياة امــــــــامــــنا
طير شريد مــــــــا له اوكـــــــار
كسرت جناحاه وضل طـــــريقه
قد هش منه العظـــــم والمنقار
ان ازبد الخطب العظـيم فمن له
ام كيف ينجو لو دهــــــــا اعصار
الا ان الله عز وجل لايأخذ حتى يعطي، ولا يضيع عياله، فقد زرع اليتم في نفسي الصبر والتحمل والعزم على الحياة العصامية، التي لا اتكئ فيها على غير الثقة بالله والاعتماد عليه:
لاتقولي عــــــانيت فقرا ويتما
او تظني الحـــــياة مالا وغنما
او تري انني جـــــــزعت فاني
قد الفت الحـــــياة رغبا ورغما
انما اليتم مصــــــــــــنع لرجال
سلمتهم كف الــرئاسة حكما
انما اليتم جذوة مــــــــن ذكاء
اشرق النور فــــي ثناياه علما
ان يكن قــد قضى الاله بيتمي
فلقد اعطـــاني اصطبارا وعزما
لم يكن يا حــــبيبة الروح يتمي
لسوى عـــــــــــز امة الله يتما
قبل وبعد الزواج
@ هناك تساؤل دائما يطرح، وهو: هل وهج الشعراء يخفت اذا تزوجوا وتعدوا سن الانفعال؟ ماذا وجدت انت بعد ان تزوجت وانجبت؟
ـ هذا يعتمد على نوع الدافع والهم الذي يحمله الشاعر، فاذا كان الهم عالميا فلا يمكن ان يصرفه عنه الانشغال بالزوجة والبنين والهموم الخاصة، لان الباعث الشعري يحاصر الشاعر ويقطع عليه شواغله وتكون له الصدارة في خلده ووجدانه حتى يلبيه ويروي غلته، وبالنسبة لي لم اجد فرقا في ذلك، واذا كنت تسمي سن ما قبل الزواج سن الانفعال فانا اسمي ما بعده سن النضج والتهذيب.
بين النبطي والفصيح
@ ازدهرت في الآونة الاخيرة ظاهرة الشعر النبطي، فبماذا تفسر ذلك؟ هل هو فشل الشعر الفصيح في ان يلامس وجدان الجماهير؟ ام ماذا؟
ـ لاشك ان الشعر النبطي يحمل تراثا وتاريخا وتجربة، ورفضه بالكلية تجن على هذا الموروث، ولكن يعني هذا انه مقدم على الفصيح، بل لكل فن قراؤه ومحبوه، واذا كان قراء الفصيح اقل من مستوى التطلع، فلا يعني هذا انه ناتج عن صراع بين الفنين الشعريين، او انه انتصار للعامي على الفصيح، وانما يدل على انحراف الذوق بشكل عام، نتيجة قلة التعليم والاهتمام بالقراءة الصحيحة للادب القديم والحديث، ولاننسى خدمة الصحف للشعر النبطي، بتخصيص الصفحات الكثيرة له، وعلى اية حال يبقى قراء الفصيح هم النخبة من مثقفي المجتمعات العربية، والاعلى تعليما وثقافة وفكرا.
شعر نزار
@ لعل اخطر شهادة قيلت في لغة نزار الشعرية هي (لو سقطت ورقة من نزار قباني في الاتوبيس وعليها كتابة موقعة منه لحملها اول راكب يلتقطها الى منزله) لماذا نكتم هوانا ومشاعرنا تجاه المرأة؟ ذلك الجمال الهادئ والقلب الدافئ والصوت العذب البريء؟ لماذا لانكتب باللغة الثالثة النزارية التي تخرجنا من زنزانة الجمود والقيد؟
ـ عندما لايكون هناك حدود في الفكر او الشعر، فان ذلك يعني الانفلات في التعبير والتصوير والاثارة، ونحن نعلم ان ديننا الحنيف اباح لنا التعبير عن مشاعرنا مهما كانت، لكنه امرنا بالتهذيب وعدم الاسفاف في الكلام، واظن ذلك ليس جمودا ولاقيدا، ولكنه حد معين لايمنعك من الابداع والابتكار وحرية السائق في الطريق لاتعني صعوده على الرصيف او تجاوزه لاشارات المرور، وان كان حرا في عبوره الى مقصوده من اي جهة، اما عن كتم الهوى والمشاعر تجاه المرأة فلست ادعو له، ولكن كيف ستكون لغة التعبير عن ذلك؟ وما القالب الذي يحيط بهذا التصوير فاذا كان تعبيرا يكتنفه العفاف والحشمة ووصف المشاعر، فانا من احرص الناس عليه، اما اذا كان اسفافا في القول ووصفا للمفاتن والمشاعر الغريزية المؤقتة، فانا ابعد الناس منه، ولن اكلف نفسي بالتقاط ورقة نزار، وان كنت لا انكر وزن قصائده من الناحية الادبية، ومهارته في بلوغ مقصده، ولكن اعيب عليه توجهه وانصرافه عن قضايا امته ووقوفه في المعسكر المقابل في حرصه على اللهو والمجون.
قضايا الأمة
@ اين تقف من قضايا امتك؟ وهل يمكن فصل الفكر عن الواقع او العكس؟
ـ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من اصبح ولم يهتم بامر المسلمين فليس منهم)، ويعلم الجميع ما تمر به هذه الامة في هذا الزمن من محن، وما يحاك حولها من مؤامرات تستلزم التيقظ والحرص والدفاع بشتى الطرق، ومن ذلك المنافحة عنه باللسان والقلم والفكر، والدعوة اليه وتوضيح صورته المشرقة وتعاليمه السمحة للعالم:
قل يا قريض وحــــدث عن مآثرنا
وسطر المجـــــــــــد ابياتا واوزانا
كنا الاباة وكنا خير مـــــن حكموا
مازال من عـــــدلنا التاريخ مزدانا
كنا اذا حـــــــــرمة للدين دنسها
باغ تفجر مـــــــنا الغــــــيظ بركانا
وان قدرنا وكـــــان الخصم قبضتنا
نعفو وفوق عنان السحب سكنانا
قف يا قريض فكم خضبت من روق
دما مــــن القلب كالشؤبوب هتانا
لو قوم الناس فكر الحبر ما جرؤت
فينا الاعادي ومـــــا خابت قضايانا
ولايخفى دور الاعلام في نصرة القضايا واستغلال اعدائنا له في النيل من الامة الاسلامية وتشويه صورتها امام العالم، وهنا يأتي دور المفكرين والعلماء والادباء في الوقوف ضد هذه الهجمة الشرسة، وعدم السكوت عن الحق:
انا ان سكت يا صاحبي ان لي
قلبا كمثل الليل اســـود اغلفا
مفهوم الحرية
@ الانسان المتمرد هو الذي يقول لا، واحيانا يشعر المبدع ـ شاعرا كان او كاتبا ـ والذي يعيش في اسرة متدينة لايسمح له بالخروج على الدائرة المغلقة لهذا المجتمع الاسري التقليدي، فيحصل عنده نوع من التصادم بين صوته الذي يدعو الى التقدم والحرية في الحياة والصوت الاخر الذي يرفض كل جديد، ويصر على تمسكه بالقديم، ومن يقرأ سيرة فهد العسكر الشاعر الكويتي يلحظ ذلك الجانب، فهل التدين سبب في اخفاء كثير من الاراء والافكار؟ هل التدين قتل للابداع؟ هل التدين سلب للحرية والتعبير عن الرأي؟ هل ا بان القى قصيدة غزلية في محفل ثقافي لأننى متدين وإمام مسجد ما وجهة نظرك وانت امام مسجد؟
ـ للحرية مفهوم خاطئ تتجاذبه اذهان الناس، وهو ان افعل ما اشاء واقول ما اشاء دون خوف من احد حتى من الله، وان كل وجهة نظر مقبولة ما دامت تعبر عن رأي صاحبها فقط ولا تلزم غيره بها، والله عز وجل يقول: (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، وكل ذلك يدل على خطر اللسان، والمفهوم الصحيح للحرية ان تكون حرية هادفة تسعى لاصلاح المجتمع والرقي بالفكر، والابداع في اطار ما وافق الدين، والدين يدعونا لاتقان كل عمل شريف ولايحجر على عقولنا وفكرنا وابداعنا الهادف، لكنه يهذب ثقافتنا ويغربل اعمالنا واقوالنا مما لافائدة منه ولا طائل تحته، اما عن الغزل فلم نسمع احدا من الناس يقف ضده او ي من القائه، الا ان كان غزلا احمر اللون، يكون هم الشاعر فيه اثارة الغرائز الرخيصة لدى سامعيه.
الإغراق في النحو
@ انت متعلق بعلم النحو، ماسر هذا التعلق بعلم (واو عمرو) و (حتى) التي يقول دارسها (سأموت وفي نفسي شيء من حتى)؟ وهل نستطيع ان نحول هذا العلم الكلاسيكي الى علم رومانسي يحبه الجميع ويتقبلونه بدون عناء وكد؟
ـ علم النحو كان طريقي الى فهم الادب والقراءة الصحيحة لشعر العرب ونثرهم، واعجب لمن لايتقنه كيف يستطيع الابداع، فالذي لايحسن رفع الفاعل ونصب المفعول به وتحريك اواخر الكلمات بحسب مواقعها من الكلام ليس له في سوق الادب بضاعة نفيسة، ولايستطيع بناء عمل ادبي دون ان تكون لديه ركيزة، ورحم الله القائل:
من فاته النحو فذاك الاخرس
وعلمه في كــــل فن مفلس
وان كان هذا العلم ليس رومانسيا في ذاته فانا اجده دربا يوصلك الى الرومانسية، وليس من طريقة ليتقبله الناس ويحبونه الا باخذه عن طريق القراءة المستمرة والدراسة التطبيقية وليست النظرية.
الشعر الحر
@ هل كتبت شعرا حرا؟ وهل تسمي القصيدة المنثورة شعرا؟
ـ لم اكتب شعرا حرا، ولا ارى هذه التسمية صحيحة، لاننا لو سلمنا بان كل ما يحمل مشاعر للكاتب كما يدعون هو شعر ما بقي في كلام العرب من خطب ومقالات، فكلها تحمل شعورا لصاحبها، انما الشعر فن مستقل له ضوابطه وقواعده، لو فقد بعضها اعتبر تطورا، لكن لوفقدها جميعا فقد ضاعت هويته، وهذا تسبب في اقحام بعض الناس انفسهم في فن لا يحسنونه، ولايجيدون ركوبه.
الثقافة في الاحساء
@ كيف تقيم ـ وانت مثقف احسائي ـ واقع المشهد الثقافي في الاحساء؟ فهناك من يقول بانه وصل الى مرحلة الشيخوخة، والقول الاخر الى مرحلة الركود، والقول بانه نخبوي وليس عالميا، والقول بانه شعارات زائفة، ما وجهة نظرك؟
ـ انا لا أجد المشهد الثقافي في الاحساء راكدا، بل ان الحركة الادبية منتعشة ومزدهرة، الا ان الاعلام لم يخدمها بالشكل المطلوب، بل اكتفى باسماء معينة، يأخذ منها ويتعامل معها، واغفل الآخرين اما لعدم سعيهم وراء الاضواء، او لان المساحة المخصصة في اعلامنا لاتسعهم، وهذا يدعونا الى مطالبة وسائل الاعلام دائما بافساح المجال للجميع.
الحضور الثقافي
@ هذا يدفعني الى تساؤل، اين انت من الحركة الثقافية في المنطقة وبالاخص على مستوى المنصة الشعرية؟ او حتى على مستوى الاعلام المقروء والمرئي والمسموع؟ ام هو التواضع غير المحمود؟
ـ صحيح ان مشاركاتي قليلة، لكني ليست غائبا ولا اتأخر عن المشاركة في اي ملتقى ادبي او امسية شعرية او ندوة ثقافية، كما اني عضو في نادي المنطقة الشرقية الادبي، وقد شاركت في فعالياته اكثر من مرة، لكني لا انكر قلة الظهور في وسائل الاعلام، وعدم اهتمامي بنشر ما اكتب الا على نطاق ضيق، ولعل السبب الابرز في ذلك هو ضيق المساحة الادبية المخصصة للشعر الفصيح في صحفنا، وحرصها ان وجدت على اغراض معينة دون اخرى، مما افقدها المصداقية، ووضوح المنهجية في الطرح، وهذا كفيل بزرع الاحباط في نفس الاديب او الشاعر.
هذا يصيرلي عمي